Monday, March 27, 2023

رؤساء تنفيذيون من السودان


على الرغم من أن الموضوع مبتكر وجدير بأن يبدأ مسلسل طويل من النقاشات الحكيمة لإثراء هذا الموضوع الحيوي في إدارة المجتمع والاقتصاد والدولة في السودان ، إلا أن 
هناك بضعة شذرات وتجاوزات لا تتماشى مع سياق الفكرة
 
بادئ ذي بدء ، إن الحوكمة هي أساس العمل التنفيذي على المستوي الأعلى في تكوين
 المؤسسات ، والحوكمة مفهوم لايزال مبهماً بين الكثيرين من المهنيين ، بل وبعض الرؤساء التنفيذيين أنفسهم .. ومما لا شك فيه أن السودان ، من واقع التاريخ الإداري ، فإنه لا يتماشى مع المفهوم ، فضلاً على أن الناس تعلموا : إن فاتك الميري اتمرمرغ في ترابه

 ولعل التطرق الى "التوطين" باعتباره أحد عوائق وصول أبناء السودان الى المناصب العليا في الإمارات هو أحد المزالق الخاطئة ، والخطرة بتأسيسها جفوة اجتماعية وانسانية ، والتي فندها كاتب المقال ، وبين نحو 500 ألف شركة مسجلة في الإمارات يبدو أن المفارقة تتشكل من عدم الأهلية وليس عدم المساواة

مما لاشك فيه أن السباق الحضري قد بدأ منذ أكثر من خمسين عاماً ، منذ مظاهرات طلاب باريس ، والتي أسست لمفاهيم عدة اجتماعية وسياسية وإدارية لازالت الحكومات تتناولها بالفحص والدرس ، ولعل التيه والشرذمة الحالية في العقل والفكر والمزاج السوداني تترجم حجم النكوص والتخلف عن الركب ، الذي لا ينتظر أحد

غير أن المبادرات الحالية من الأجيال الشابة تمثل بارقة أمل ، ولكنها تتطلب مزيد من الحكمة والتواضع والعمل والجهد الدئوب 

رؤساء تنفيذيون من السودان

أحمد نصر

ليش مافي مدراء تنفيذيين سودانيين بدولة الإمارات؟؟"

هذا السؤال المفاجئ الجاني من أحد الرؤساء التنفيذيين العرب خلال غداء عمل بمدينة أبوظبي ، وكان الحديث معه قبله سؤاله قد تطرق نحو الجالية السودانية بالدولة ، عددهم وأهم ما يميزهم كمجتمع وأفراد. ثم أتت إجابتي لسؤاله سريعة على النحو التالي؛ " كيف مافي ، عندنا بروفسير عبدالرحمن أحمد عمر ، الرئيس التنفيذي لمستشفى برجيل أبوظبي ودكتور أحمد التيجاني المنصوري ، الرئيس التنفيذي لشركة الروابي للألبان. وكمان م. أحمد خبير الرئيس التنفيذي لمجموعة شركات تفاصيل المتخصصة بخدمات مراكز الاتصال وم. محمد فقيري المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة أوكودو لحلول الهويات الرقمية وم. رائد مالك الرئيس التنفيذي لشركة طموح للوقاية والسلامة."

ثم انتهى حديثنا عندما بدأت كلمات الشكر والامتنان من الجميع للجميع على هذا الوقت الجميل وتمنى الكل مزيداً من التقدم والازدهار في الأعمال خلال عامنا هذا ومابعده . ليأخذ كل منا طريقه بعد ذلك لأهله. 

بعودتي للمنزل ، عدت بالتفكير في السؤال إياه وقلت أنا فعلاً جاوبته بأسماء رؤساء تنفيذيين من قطاعات مختلفة ، صحية ، غذائية ، خدمية ، تكنولوجية.. لكن الأسماء دي ما اتعدت الخمسة أسماء. بذلك تحولت الإجابة الفعلاً بديت اهتم بيها هي للسؤال التالي ؛" ليه عدد المدراء التنفيذيين السودانيين في الإمارات قليل جداً مقارنةً بالجنسيات الأخرى؟؟؟ ليه بس كدة؟ 

السؤال دا بديت أسئله لعدد من الأشخاص السودانيين العاملين في الإمارات في مناصب على مستوى تنفيذي (C-Level or C-Suite) أو مستوى إدارات متوسطة وعليا وحبيت أجمع وأشاركم في نقاط ، مختصر النقاشات الخضناه حتى الآن متمنياً أن تكون تلك العشر نقاط مفيدة للكثير من المهتمين بالنوع دا من المحتوى وأكيد هي فرصة لنقاش أطول نفهم من خلاله جميعاً الأسباب والحلول المعنية بزيادة تمثيلنا في الدرجة دي من المناصب الوظيفية في منطقة الشرق الأوسط. 

1. التوازن
لو بدينا بمسألة التوازن في التقييم ، سواءاً  تقييم الأشخاص أو المراحل أو نقاط القوة والضعف ، حتلاقي في كتير مننا بيتفوق عندهم التقييم بالمشاعر على التقييم بموضوعية وبمنطق نتائج العمل.. ممكن نشوف الكلام دا واضح على ثيرموميتر حبنا لشخصيات سودانية متنوعة ؛ سياسية ، قيادية ، فنية ، وغيره. معظمنا بشوف عبدالله خليل خاين ، ومنصور خالد عميل… معظمنا أحب وكره حمدوك ٢٠ مرة خلال فترة الثلاث سنوات من توليه لمنصب رئيس الوزراء.. فقط من أجل خطاب قاله حمدوك أو كان مفروض يقوله بطريقة أخرى.. وحتى في التفكير، يشق على معظمنا مسألة التوازن بين التفكير الاستراتيجي والتكتيكي ، والتوازن بين الفاعلية والكفاءة في مخرجات العمل. وكذلك التوازن عندما يُستحق الشكر على أمور مع ضرورة تحسين القصور في أمور أخرى. والتوازن في الحث على استدامة الجودة في ما يقدم اليوم ورفع مستوى ما سوف يقدم غداً إن شاء الله.

2. الترويج الشخصي
الاهتمام عندنا عموماً ضعيف في التعبير عن أنفسنا بشكل واضح وترويجي وباستمرار لبناء وكسب ثقة الآخرين. استدل في هذا الصدد بما أشار إليه د. أحمد التيجاني من كتابات #ستيفن_كوفي عن أنواع الناس مع النجاح ، فذكر أن هناك من هم غير ناجحين ، وهنالك من هم ناجحون مؤقتًا ، وهنالك الذين أصبحوا ناجحين ولا يزالون.  الاختلاف يكمن في الشخصية. والشخصية المقصودة في هذا الإطار هي ال Character أو التصرفات الأخلاقية المشتملة على سمات مثل النزاهة والأخلاق والصدق والشجاعة والولاء والثبات وغيرها من الفضائل الأساسية التي تعزز السلوك الجيد.  وأضاف د. التيجاني أن معظم تلك الصفات هي صفات مغروسة بشدة فينا كسودانيين ولكن هي الصفات التي لا ترى لأنها بمثابة الجزء المغمور بالمياه من جبل الجليد. ما يراه الناس ويفتنون به للوهلة الأولى هو الأناقة والاتيكيت والحضور ثم تظهر لاحقاً عند المحك الفضائل الشخصية. 

3. عقلية آلة الكمان
أو العقلية الريادية التي لازلت تتحسس طريقها في الشخصية السودانية ، لأننا ببساطة أبناء مزارعين أو أفندية. لذلك لم يمارس أغلبنا الاستمتاع بخوض تجارب جديدة عن المألوف. لا يشجعنا الأهل والأصدقاء على المخاطرة ، لذلك لا باع لنا بالطريق المليئة بالمخاطر حتى لو كانت مؤدية إلى قمة الهرم في المؤسسة. وصفنا كما وصفهم الطيب صالح في دومة ود حامد حينما قال؛" أنتم خير أمة أخرجت للناس. لكنكم تضحكون جماعة وتبكون جماعة. و ليس فيكم صوت واحد يرتفع منفرداً كآلة الكمان". 

4. العقلية الاستثمارية
تلك العقلية حتى في الوظيفة ، تنظر للشركة بمنظور مختلف أهم سماته هي حجم المبيعات والأرباح وقيمة الشركة السوقية وقوة المنتج والخدمات المقدمة والمنافسين في الساحة.. ودي سمات ممكن تكون آخر هم الموظف التقليدي البكون مشغول بأمور تجميلية أخرى في العمل. لعل السبب في ضعف ثقافة إدارة المال والأصول عندنا تعود إلى أن أغلبنا ناس معايش، موظفين أولاد موظفين.

5. التقرب من متخذي القرار
ذكر د. التيجاني أن المناصب التنفيذية لدى الشركات الكبيرة تتم غالباً بالترشيح من مجالس الإدارة وأضاف " إحنا بي طبعنا ما بنمشي لي ناس ما بتجينا". وأضاف أيضاً في ذات الصياغ م. وضاح عبداللطيف ، مدير الحلول التكنولوجية بمنطقة الشرق الأوسط وباكستان لدى كلاود بلو، أن التربية والأعراف السودانية تمجد الزهد عن المناصب العليا وتجنب كل ما قد يجلب مسؤولية وقرارات قد تفسر بطرق مختلفة. منوهاً إلى أن قلة فقط من السودانيين من يهتم بالاندماج بمجموعات الضغط وتشكيل lobbying وتقوية الروابط بمتخذي القرارات. أضاف كذلك م. رائد مالك أن كثيراً منا لديه نقص في مهارات التواصل مع صاحب القرار الأساسي في قمة الهرم مما يفسر دوماً وجود وسيط بيننا وبين متخذي القرارات. 

6. كثرة القرارات الصحيحة
لازال الطريق في أوله عندنا لمن نتكلم عن اتخاذ وتنفيذ قرارات صحيحة وجريئة في الوقت المناسب. لعل السبب يعود لضعف التفكير الحرج الابتكاري المستند على معطيات متعددة ، هذا ما نوه إليه سيد بيكاب ، مسؤول أول الخدمات المالية ، وأضاف على الرغم من التمكن الفني لعدد كبير من المهنيين السودانيين كل في مجاله ، يقف الكثير منا دون لعب الأدوار الحاسمة التي تأخذ المؤسسة إلى بر الأمان في الأزمات وإلى النمو السريع في الأوقات الجيدة. وحينما سئل #جيفبيزوس عن أهم صفات من هم على حق كثيراً ، قال عنهم أنهم يتخذون القرارات بشكل مختلف عن أي شخص آخر. ذكر ذلك أيضاً #تيمكوك حينما تحدث عن أهم الدروس التي تعلمها من عمله مع #ستيف_جوبز. فأكثر ما أثار إعجاب كوك هو قدرة جوبز على تغيير رأيه بسرعة وفي كثير من الأحيان إذا تطلب الأمر. فكان جوبز يغير رأيه سريعًا لدرجة أنك قد تنسى أنه كان الشخص المؤيد للرأي النقيض في اليوم السابق. وأضاف كوك أن هذه هدية ، لأن الأشياء تتغير ، وتتطلب شجاعة للتغيير.
 

7. غياب النماذج
المتعددة من ذوي المناصب التنفيذية في المحافل والوسائط المختلفة وإرشادهم للغير في الوصول لمثل تلك المناصب والنجاح فيها. أشارت إلى ذلك راما صالح ، مساعد رئيس الشؤون القانونية بأحد مؤسسات دبي الحكومية. فغياب الإرشاد المستمر في الموضوع دا بيصعب شديد على السودانيين فكرة الطموح بمنصب زي دا وفكرة هضم التجربة والتحديات المتوقعة. كمان بيضعف لا إرادياً في مخيلة غير السودانيين فكرة قبول رئيس تنفيذي للشركة من جمهورية السودان.

8. التوطين
نوهت للموضوع المهم دا أ. هدباء النور ، مستشارة إدارية مستقلة ، وذكرت أن المناصب التنفيذية في الشركات الإماراتية والخليجية يتقلدها في الغالب مواطنون. وشددت أن الأرجح دراسة حال التنفيذيين السودانيين بالشركات في منطقة أوروبا وأمريكا. هذا ما دعاني للبحث عن أفضل ٣٠ رئيس تنفيذي في الإمارات فكانت نتيجة تقرير أريبيان بزنس أن ١٦ من هؤالاء الرؤساء التنفيذين ليسوا إماراتيين. مما يدل على أنه لايزال سوق يتنافس فيه غير المواطنين على تلك المناصب. وفي تقرير يوليو ٢٠٢٢ لفوربس عن أفضل ١٠٠ رئيس تنفيذي في منطقة الشرق الأوسط، مثّل الإماراتيون ١٩٪؜ من القائمة، يليهم رؤساء تنفيذيون مصريون بواقع ١٦٪؜ وسعوديون بتمثيل ١٥٪؜ ولبنانيون بواقع ٣٪؜ وخلت القائمة من السودانيين.

9. حجم التداول بسوق الخرطوم للأوراق المالية
بالنظر للآلية التي عملت بها فوربس على تطوير تقريرهم السنوي عن أفضل الرؤساء التنفيذيين ، تجد أنه تم جمع المعلومات عن الشركات من إفصاحات سوق الأوراق المالية والتقارير السنوية والبيانات المالية والمصادر الأولية الأخرى. ثم النظر فقط إلى الرؤساء التنفيذيين للشركات التي يقع مقرها الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وتم استبعاد أصحاب الأعمال. هنا حتلاقي إنه عدد شركات المساهمة العامة وحجم التداول (قيمة وكمية الصفقات) في البورصة المصرية وسوق #تداول السعودي وسوق دبي المالي وسوق أبوظبي المالي قادر على عكس أداء الشركات الضخمة وإبراز الرؤساء التنفيذيين الذين يقفون وراء ذلك التقدم. بالنظر لسوق الخرطوم للأوراق المالية ، نجدد أن ٦٦ شركة بالفعل مدرجة في السوق وهو عدد ممتاز ولكن هو سوق غير نشط وحجم التداول فيه ضعيف جداً جداً مما يؤكد عدم قدرة تلك البنوك والشركات المدرجة من جذب وزيادة المستثمرين بانتظام. وعدم قدرة السوق حتى الآن إلى جذب الشركات العائلية السودانية الكبيرة للاكتتاب العام فيه. 

10. ثقافة الرئيس التنفيذي في السودان
الحديث ، في المجالس المتخصصة ، عن انجازات رئيس تنفيذي ومقارنة أداء رؤساء تنفيذيين لشركات سودانية عندنا ضعيف جداً بل شبه منعدم.. فمثلاً عندما سألت عدد من موظفي مجموعة #دال ومجموعة #سيتيسي عن الرئيس التنفيذي للمجموعة، كانت أغلب الإجابات غلط.. وفعلاً مافي صفحة قيادتنا Leadership في الموقع الرسمي للمجموعات العملاقة دي. وكل العندنا عن قصص أبطال انتقلوا لشركات خسرانة وحولوها خلال سنوات لي شركات ناجحة هي قصص محدودة. أختم بمثالين من مجموعة سوداتل، وهي شركة مدرجة بسوق الخرطوم للأوراق المالية وسوق أبوظبي المالي ، م. إيهاب عثمان ومن بعده م. مجدي طه الذان فرضا أنفسهما كرؤساء تنفيذيين من الطراز الحديث. نتمنى لهم ولكل رئيس تنفيذي حالي ومستقبلي كل التوفيق والازدهار. 

في النهاية، الأسئلة البتبدأ بي "ليه" قد تبدو للوهلة الأولى مستفزة، بس الإجابة عليها بسعة صدر هي حلنا في الإصلاح والتحسين. ومجدداً، الغرض من المقال هو فتح نقاشات مطولة وبودكاستات ومنصات حوار وتدريب لفهم الأسباب الإضافية والحلول المعنية بزيادة تمثيلنا في الدرجة دي من المناصب الوظيفية الرفيعة.

# منقول

No comments:

Post a Comment