Sunday, July 25, 2021

سياسات الإسكان الاجتماعي حجر زاوية لتنمية الأسر المستحقة

 

مما لا شك فيه ان توظيف الوفرة المالية وفوائضها لدعم الاسكان الاجتماعي يمثل سياسة مباركة ومحمودة ، ولعل المقال قد أفلح في تأكيد التحديات الأساسية والتي تكاد تكون عالمية ، ولا مناص من التبادل المعرفي في هذا الشأن ، ورغم ما قد يشوب البرامج من إحباط نفسي مرده الطبع البشري في أن يكون الفرد متميزاً ، فإن نصيب المعماريين في هذه الملامة كبير وذا شجون .. ولعل تأكيد دور البلديات وتنظيم استغلال الآراضي مهم لضمان عدم خلخلة البرامج من إمكانياتها ، وهذا على الرغم من الحوافز المقدمة من المطورين في تنمية الآراضي .. ومما لاشك فيه أن الحراك التنموي في المملكة متميز ويتوقع له الأصداء الكبيرة

مقدمة

يُعدُّ الانقسام الطبقي ظاهرة متنامية في المدن والمناطق حول العالم، ويُحفّز ذلك العديد من إدارات المدن على اتخاذ موقف دفاعي واستباقي لمعالجة هذه القضية. ومن ثم، فإن أعدادًا كبيرة من المدن تصنّف نفسها كمدينة شاملة من خلال تقديم خدمات تكافلية ومنتجات إسكانية للفئات الأكثر حاجة. لكن المدن بشكل لا واعي قد تقوم في سبيلها لذلك بتقديم سياسات أو منتجات تزيد من ظاهرة الانقسام الطبقي ولا تحفُز المستحقين من فئة منخفضي الدخل على التنمية. في الوقت ذاته، على الرغم من النوايا الحسنة لهذه السياسات، إلا أنها قد تقوم بغير قصد بإرسال رسائل خاطئة لفئة متوسطي الدخل تدعوهم للنزول بمستوى الأسرة من أجل الشمول في نطاق الاستحقاق. تَهدُف هذه المقالة إلى استكشاف دور السياسات والمنتجات الإسكانية التي تقدمها المدن الخليجية للمستفيدين من ذوي الدخل المنخفض في تحفيزهم على التنمية والارتقاء بمستواهم ومستوى أفراد أسرهم. كما سنحاول أن نستدعي أمثلة نجحت في الإجابة على السؤال: كيف من الممكن أن يكون الإسكان الاجتماعي حافز تنموي؟

لقد اكتسبت أهداف جعل المدن أكثر “شمولاً” وزنًا كبيرًا من قبل صانعي السياسات الحضرية وكذلك الأكاديميين الحضريين في الأدبيات. نتيجة لتصاعد المخاوف بشأن الاستبعاد الحضري في القضايا العامة والسياسة، ظهرت العديد من الأعمال الأكاديمية، وجداول أعمال السياسات، وتقارير استشارية رفيعة المستوى للدفاع عن “المدن الشاملة”1 ، أو ما يسمى بالتنمية الحضرية الشاملة. علاوة على ذلك، تتمتع المناطق الحضرية بميزة على المناطق الريفية للتعامل مع قضية عدم المساواة في ضوء تركيز الفرص والمرافق، طالما أن الأدوات والسياسات المؤسسية قد تم وضعها بشكل شامل2. وهذا يعني أن فجوة عدم المساواة بين “من لا يملكون” و “من يملكون” سوف تتسع في العديد من المدن في جميع أنحاء العالم إذا لم يتم اتخاذ إجراءات جادة للتغلب على قضايا التفاوت الاجتماعي والثقافي والاقتصادي والسياسي المتصاعد. بدون شك، تختلف شدة وحجم المشكلات التي تتطلب المعالجة في كل سياق3

مدن الخليج تضاعف جهودها لتوفير المساكن لمحدودي الدخل

تسابق دول الخليج الزمن لتعزيز خطط الإسكان الاجتماعي لمواجهة التحديات المختلفة للنهوض بالقطاع على أسس مستدامة ومعالجة التبعات المترتبة على الزيادة السكانية والتوسع الحضري. وأظهرت تقارير أن دول الخليج ضاعفت جهودها لمواجهة العجز في توفير الوحدات السكنية لمحدودي الدخل من خلال شراكات بين القطاعين العام والخاص وتحسين التسهيلات الائتمانية وأنظمة تمويل الإسكان الاجتماعي لمعالجة المشكلة التي تعاني منها4. ومع كل هذه الجهود الرامية إلى توفير الإسكان الاجتماعي أو (الميسّر) أو (الخيري) أو (التنموي) للأسر الأشد حاجة في مدن الخليج يأتي التساؤل حول كيفية أن تكون هذه الجهود محفزة للتنمية لمستحقيها للارتقاء بأوضاعهم بدل أن تكون مساعدة تزيد من اتكالية المستحقين على الدول وتدعوهم للبقاء في مجال الاستحقاق لاستمرار تلقي الدعم. سنحاول في القسم التالي الإجابة على هذا التساؤل بمناقشة الموضوع من ثلاثة جوانب: تشريعية، تصميمية، تخطيطية

التحدي الأول: السياسات لا تحفَز على الازدهار

بطبيعة الحال أغلب السياسات الحالية تستهدف من خلال معايير استحقاق محددة الأسر الفقيرة والأشد حاجة. قد يكون هذا عادلا في ظاهر الأمر، ولكن لو حاولنا أن نقيّم أثر ذلك على الفئات المستهدفة لوجدنا واقعًا مختلفًا. إذ أن السياسات المتبعة بمعايير استحقاقها الحالية لا تحقق التنمية للأسر منخفضة الدخل من ناحية وتدعو الأسر متوسطة الدخل لخفض مستواها من ناحية أخرى. ولنأخذ الأسر منخفضة الدخل أولاً، والتي تقول لهم معايير الاستحقاق: “إذا ازددت فقرًًا وازددت احتياجا سوف تستحق، أمّا إن كان لديك بصيص أمل في تحسين وضعك فسيتم إخراجك من نطاق الاستحقاق.” هذه الرسالة التي تصل للمستهدفين خطيرة جدًا، وذلك لأن المقصد الأسمى للتنمية هو القضاء على التفاوت الطبقي وليس تعظيم الفجوة بين الطبقات وتثبيط فئات منخفضة الدخل من تحسين أوضاعهم وتشجيعهم على البقاء في الأسفل من أجل تلقي الإعانات.

أما من ناحية الأسر متوسطة الدخل، التي تواجه العديد من الصعوبات التي تواجه كافة الفئات في رحلة تملك المسكن من ارتفاع لأسعار الأراضي ونقص حاد في العرض الاسكاني جراء وتيرة التحضر السريعة وغيرها من الصعوبات التي تواجه قطاع الإسكان. وفي نفس الوقت يجدون أمامها الدعم الحكومي المقدّم للأسر منخفضة الدخل الذي يكون كطريق مختصر للحصول على مسكن من خلال النزول بمستواهم الى مستوى الأسر منخفضة الدخل من أجل الشمول بنطاق الاستحقاق. وقد يكون ذلك أشد خطورة من ناحية أن الدعم كان له دور في تشجيع الأسر على تثبيط ازدهارها


التحدي الثاني: الفرق بين “المأوى” و “المسكن”

يوجد فرق بين المأوى والمسكن، فمن ناحية تلبية الاحتياجات الإنسانية يعد المأوى هو الحد الأدنى من المسكن، والمسكن مرتبة أعلى من المأوى. في حين أن العمرانيين او المعماريين (من يصمم الوحدات السكنية) يصممون منتجات سكنية جميعها تصنّف تحت مسمى المسكن وذلك لأسباب عديدة وغياب واضح لمفهوم المأوى عن السوق الخليجي. التفريق بين المفهومين مهم لأن المسكن يكون موجهًا لمتوسطي الدخل وأما منخفضي الدخل فالحديث التصميمي لهم يكون عن المأوى حتى يصبح لديهم الأمل والطموح لتحويل المأوى إلى مسكن ويتحقق مفهوم الإسكان الاجتماعي كحافز للتنمية. من ناحية أخرى إعطاء الفقير او متدني الدخل (مسكن) هو أمر جيد في ظاهره ولكنه يقتل طموح متوسطي الدخل الذي يتعب في توفير المسكن ومن ثم قد تكون فكرة تقمّص دور الفقير من أجل تملّك المسكن هي بمثابة فكرة سريعة وتختصر المسافة أكثر من الاعتماد على ذاته في توفير المسكن. ونؤكد هنا أن توفير المأوى للفقير بدل المسكن لا يتنافى مع إعطاءه دون أدنى شك حياة كريمة وتلبي حاجته، وإنما تحفيزه بإتاحة المجال له لتحويل المأوى إلى مسكن. على سبيل المثال إتاحة التوسع الأفقي أو الامتداد الطولي مع عدم ركون المستفيد إلى الاتكال والدعة

التحدي الثالث: وحدات إسكان ميسر في نفس مواقع الإسكان بسعر السوق

لأسباب وقرارات تخطيطية، كتحديد أحجام كبيرة وغير متنوعة لقطع الأراضي في أحياء معينة، ورغبة من المطورين العقاريين بإنتاج مخططات سكنية مرموقة لمرتفعي الدخل، شهدنا عزل وإقصاء فئة كل من متوسطي ومنخفضي الدخل عن الوصول العادل لخدمات المدينة ومراكزها الحيوية. وعلى هذا المنوال، اتبعت بعض مشاريع الإسكان الاجتماعي نفس النهج بتصميم مشاريعها على أطراف المدن. هذا النهج رغم أنه قد يوفّر خصوصية لهذه الفئات إلا أنه قد يكون سبب إضافي في تدهور مستوى الأسر منخفضة الدخل وأفرادها وسبب من أسباب انتشار الجريمة والقضايا الأخلاقية. أكّدت ذلك أهداف الخطة الحضرية الجديدة5 التي نادت بالدمج المكاني لكافة شرائح المجتمع. ويؤكد كاتز6 أن البرامج المبنية على بناء وحدات الإسكان الميسر في نفس مواقع الإسكان بسعر السوق هي “أفضل وسيلة وربما الوحيدة المتاحة الآن لتعزيز التكامل الاجتماعي”، مما يؤدي إلى نتائج اجتماعية واقتصادية إيجابية كتحسين فرص العمل وخفض معدلات الفقر. علاوة على ذلك، يساعد تكامل إسكان الفئات المختلفة على تفادي مشكلات عمرانية عديدة مرتبطة بانعزالية الإسكان الميسر مثل التكدس والعشوائية. ومن التجارب الناجحة في هذا الصدد تجربة الإسكان التنموي بالمملكة العربية السعودية بتسليم عدد من الوحدات السكنية الجاهزة داخل المراكز الحضرية ضمن أحياء مطورة بالكامل ومكتملة الخدمات بنظام حق الانتفاع. وسيكون حق الانتفاع ساري حتى تتحسن حالة الاسرة المعيشية، وينتفي هذا الحق إذا لم تستفد الأسرة من البرامج التنموية المقدمة لها. وبإمكان هذه الأسر تملُّك هذه الوحدات السكنية في حال تحسن وضعها الاقتصادي أو اختيار منتجات سكنية أخرى تناسب حالة الأسرة الاقتصادية

تجربة ناجحة: جائزة ود للأسرة المثالية

من التجارب الرائدة في تقديم الإسكان الاجتماعي كحافز للتنمية تجربة “جائزة ود للأسرة المثالية” المقدمة من جمعية ود الخيرية التنموية. وهي عبارة عن منافسة بين الأسر للحصول على وحدات إسكانية بسعر إيجار مخفض للأسر المثالية التي تحقق معايير الجائزة، حيث يتنافس على الجائزة ٦٤ أسرة على ١٠ وحدات سكنية عبارة عن وقف تملكه الجمعية من أحد المتبرعين. وأرادت الجمعية توزيع هذه العشر وحدات ليس للأشد حاجة كما جرت العادة وإنما بطريقة ذكية تحفز الأسر على التنمية والارتقاء بمستوى أفرادها من أجل الحصول على سعر إيجار مخفض. وتهدف الجائزة إلى تمكين وتأهيل الأسر المتعففة وخلق روح التنافس والتكامل الأسري بينهم. وساهمت الجائزة على مدى سنتين في تطوير وتنمية هذه الأسر اجتماعيا وعلميا واقتصاديا وصحيا حسب معايير وأنشطة تنافسية تختتم بترشيح عشر أسر للفوز بشقق سكنية بسعر إيجار مخفّض على الرغم من أن الفائزين ليسوا بالضرورة الأشد حاجة وإنما الأكثر قابلية للتنمية

خاتمة

مع الجهود الواضحة التي تتبناها المدن الخليجية فيما يتعلق بالإسكان الاجتماعي، ينبغــي مراجعــة سياسات الإسكان وتطويرها حتى تحفز تنمية المستفيد على التنمية، وبالتالي القضاء على الانقسام والتفاوت الطبقي. وهناك ثلاث مجالات تستطيع المدن التحرك بها لتحقيق ذلك. أولاً، مراجعة وتطوير سياسات ونظم الضمان الاجتماعي لتحقيق العدالة الاجتماعية بين الشرائح المختلفة وتحفيز فئة معدومي ومتوسطي الدخل على التنمية والارتقاء. ثانيًا، تقديم منتجات سكنية كريمة تلبّي حاجة منخفضي الدخل تندرج تحت مفهوم “المأوى” من أجل تحفيزهم للتنمية والتحوّل إلى المسكن. ثالثًا، استخدام التخطيط المكاني المدمج لوحدات الإسكان الاجتماعي مع باقي الفئات لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية ودعم النمو العمراني المستدام

_______________________________________________
الهوامش:
  1. UN-Habitat. (2016). Habitat III – New Urban Agenda. In United Nations Human Settlements Programme.
  2. Fainstein, S. S. (2014). The just city. International Journal of Urban Sciences. https://doi.org/10.1080/12265934.2013.834643
  3. Fainstein, S. S. (2001). Inequality in global city-regions. DISP. https://doi.org/10.1080/02513625.2001.10556764
  4. Elasrag, Hussein. (2016). Affordable Housing in GCC Countries: An analytical study of the experience of the State of Kuwait.
  5. UN-Habitat. (2016). Habitat III – New Urban Agenda. In United Nations Human Settlements Programme.
  6. Middleton, B.R. (2011). Trust in the land; new directions in tribal conservation. Tucson: The University of Arizona Press; Katz, B., Turner, M.A., Brown, K.D., Cunningham, M. &Sawyer, N. (2003). Rethinking local affordable housing strategies: Lessons from 70 years of policy and practice. The Brookings Institution Center on Urban and Metropolitan Policy. December. Retrieved from: www.brookings.edu/ 

No comments:

Post a Comment