Tuesday, August 30, 2022

تطبيق الديمقراطية العمرانية

 





علاقة التخطيط الحضري بالصحة العامة 

في عام 2007 كان "مايك كورنيت" ينتظر دوره في أحد المستشفيات، وكان انتخب قبل عام للفترة الثانية عمدةً لمسقط رأسه مدينة "أوكلاهوما سيتي" عاصمة ولاية "أوكلاهوما"، لفت نظره عنوان مجلة "لياقة الرجال" الأميركية: "تعرف على أسمن 10 مدن أميركية" ولك أن تتصور صدمته حينما وجد مدينته على رأس القائمة.

نعم أسمن مدينة بناء على نسب سمنة سكانها، قام العمدة بتحليل شامل لوضع مدينته الراهن، ووجد بعد الكثير من النقاش أن أحد أهم أسباب السمنة هو أسلوب تخطيط المدينة، فكل شيء في المدينة مهيأ للسيارة، ولا مساحة تذكر للمشاة.

دشن حملة واسعة النطاق لتعديل الوضع غير الصحي للمدينة، اعتمدت على محورين اثنين:

الأول توعية سكان المدينة بمخاطر الوجبات السريعة وأهمية الغذاء الصحي، وقام بإطلاق عدة حملات تحث مواطنيه على الاهتمام بمحتوى ما يأكلون وقام بإجبار المطاعم ليس فقط الإفصاح عن محتوى السعرات الحرارية للوجبات؛ بل الالتزام بتوفير وجبات بسعرات حرارية منخفضة.

أما المحور الثاني: فتبنى سياسات عمرانية تحفّز المشي وتساعد على تحسين جودة الحياة. عبر الاهتمام بإعادة بناء الشوارع من جديد وإضافة ممرات للمشاة، وبناء نظام نقل خفيف وسط المدينة، بل اصبحت ممرات المشاة أهم شرط للموافقة على بناء الأحياء الجديدة وتطوير القديمة منها، كما قام ببناء حديقة مركزية ضخمة وسط المدينة مثل تلك الموجودة وسط نيويورك، هدفها تحفيز النشاط الرياضي، حيث ممرات المشاة ومسارات الدراجين، والأجهزة الرياضية المتوفرة للجميع. كذلك قام بتحديد الأحياء الأكثر سمنة في المدينة وافتتح فيها مراكز رياضية مجانية.

المثير في القصة أنه افتتح موقعاً إلكترونياً للحملة بعنوان: "هذه المدينة في حمية غذائية thiscityisgoingonadiet.com، بحيث تقوم بتسجيل اسمك واحتساب كم خسرت من وزنك، والعمدة نفسه سجل أنه خسر حوالي 20 كيلوغرام ،ولك أن تتصور أن هدفه كان تخفيض وزن سكان المدينة بمقدار (455 ألف كيلو غرام) استطاع تحقيقه خلال ثمانية أشهر فقط ، ناهيك عن عداد لخطوات المشي حقق حوالي خمسة ملايين كيلو متر.

بعد أربع سنوات من الحملة المستمرة والتشريعات التي تحوّلت إلى واقع يومي عادت مجلة "لياقة الرجال" إلى المدينة، ولم تكتف بإزالتها من قائمة "أسمن مدن أميركا"، بل أضافتها إلى "أفضل مدن أميركا"، فالمدينة صديقة للبيئة وللمشي، ونسب الوفيات تتراجع بنسبة 3% كل سنة، أيضاً ارتفع معدل الأعمار بنسبة 6% وعاد وسط المدينة جاذب للشباب ورواد الأعمال.
واليوم يخدم "ميك كورنيت" مدينته كعمدة للفترة الرابعة، بعد حقق لها المستحيل وحاز ثقة أبنائها، ليضحى اليوم أقدم عمد مدن أميركا في السنوات الأخيرة، والسبب أنه وعد بجعل صحة أبناء مدينته على رأس أولوياته وبالتأكيد أنه أوفى بعهده.

No comments:

Post a Comment