Friday, August 25, 2023

أيكونوكلازم

 

Heba Raouf Ezzat  
يسمونه في الدراسات التاريخية وتراث الفنون "أيكونوكلازم".. أي محو الرموز البصرية لعصر سابق.. لتكريس شرعية الصور والرمزيات الجديدة.. أو رفع ذاكرة فوق أخرى في ثقافة متعددة التواريخ.
فالمدن العريقة هي أقرب إلى رَق كُتبت عليه نصوص بعضها فوق بعض، فهي تعيش بأكثر من روح ونبض، ليس فقط في الأحياء باختلاف الفقر والغنى، بل أيضا في مستويات الذاكرة بائتلافها.. أو اختلافها. وحين تعجز المدن عن تحقيق هذا التآلف أو إدارة ذاك الاختلاف للحد الأدنى من التدبير، تندلع الثورات .. أو تنفجر الحروب الأهلية.
لماذا البعد البصري مهم؟ ولماذا للحجر قيمة؟ لأنه دلالة على تواريخ، وأثر ..لفنون تعكس تصورات وعقائد، ومواريث.
لذلك أمكن بأي تكلفة كانت آنذاك نقل معابد من مكان لمكان حين أراد صاحب القرار، وتم هدم قبور هي قطع فنية غنية ومميزة وشواهد عصور كاملة تدل على وجود أئمة وعلماء ورواد ورموز، بلا أدنى تردد.
هذا المشهد الواضح ليس مصادفة ولا قلة كفاءة في إدارة طبقات المدينة الثقافية والتاريخية، بل هو قرار، تُمحَى به معالم وتواريخ لصالح معالم وتواريخ أخرى.. وصور لصالح صور أخرى- بعضها قديم وبعضها جديد.
مشهد واحد يدلك على خريطة كاملة من العلاقات والتوازنات والتوجهات، صورة واحدة هي ذاتها أيقونة لمن يفهم رمزية المبنِي والمرئِي في الحَيز العمراني للأمم، والذي هو مرآة الذاكرة.
إنه سؤال الهوية للأحياء ..لا الموتى.

No comments:

Post a Comment