توفي في بداية هذا الشهر خبير تخطيط المدن وإدارة مواقف السيارات البروفيسور دونالد شوب ، وقد نعته "مجلة الإيكونيميست" في عدد هذا الأسبوع 13 فبراير. دونالد شوب هو صاحب الكتاب المشهور دولياً "الثمن الباهظ للمواقف المجانية The High Cost of Free Parking" والذي تحدثنا عنه في مقال سابق لنا بعنوان "إعادة النظر في تخطيط وإدارة مواقف السيارات". لقد كان لأفكاره تأثير بالغ في إدارة وتخطيط النقل لدرجة أن كثيراً من المدن الأمريكية وغيرها من دول العالم تبنت هذه الأفكار وغيرت من بعض تشريعاتها العمرانية خاصة تلك التي تتعلق بالحد الأدنى للمواقف الخاصة ببعض الاستعمالات. وقد كان لهذه الأفكار دور حاسم في رفع كفاءة أداء المدينة لوظائفها وتقليص الكلفة العالية لمواقفها.
يشكل التعامل مع السيارات مشكلة معقدة أمام القائمين على إدارة المدن بسبب المساحات الشاسعة للمواقف والطرقات التي قد تصل في بعض الحالات لنصف مساحة المدينة. وبالتالي فليس من الحكمة أن تستهلك استخدامات السيارة كل هذه المساحة من الأراضي التي تمثل الأصول الأكثر قيمة في أي مدينة. وما يزيد الطين بلة ويعقد المشكلة أكثر هو جشع السيارة في طلب المزيد من الأراضي من خلال دفع الكتلة العمرانية للتمدد نحو الضواحي والأطراف لتلتهم المزيد من الأراضي كمساحات إسفلتية. هذا فضلاً عما تسببه من اختناقات على الطرقات وتلوث هوائي وضوضائي.
إذا كان سكان المدينة قد استمرأوا مجانية المواقف لدرجة أصبحوا يرونها حقاً راسخاً، فإن دونالد شوب ضرب هذه الفكرة في الصميم حين وضح بالبرهان القاطع أنهم يدفعون تكلفتها في جميع جوانب حياتهم الأخرى. فتكلفة المواقف "المجانية" متضمنة أصلاً في أسعار الأراضي وتكاليف التطوير وسيتم تحميلها على أسعار السلع والخدمات والإيجارات التي سيدفعها في النهاية كل زبون حتى وإن لم يمتلك سيارة. علاوة على هذا، فهناك تكلفة أخرى تتمثل في الوقت المستغرق في البحث عن موقف للسيارة حيث يضطر كثير من السائقين من 8% ويصل في بعض الأماكن إلى 74% للبحث على الأقل لمدة ثلاث دقائق للحصول على موقف وهو ما يعني قطع مسافة طويلة على امتداد السنة بحثاً عن موقف قد تعادل أربع مرات مسافة الرحلة للقمر.
من هنا جاءت دعوة البروفيسور شوب للتخلي عن مبدأ الحد الأدنى للمواقف والاستعاضة عنها بالعدادات الذكية مع اختلاف الرسوم بحسب أوقات الذروة خلال أيام العمل ومراعاة تحقيق معدل شغور لا يتعدى 15% في أي شارع. بهذا ستكون هناك إمكانية الحصول على موقف شريطة دفع ما يترتب عن ذلك من رسوم ترتفع وتنخفض حسب أوقات الذروة. وقد استجابت لهذه الدعوة ما يزيد عن 35 مدينة أمريكية ملغية الحد الأدنى للمواقف عن كل استعمال وتتبنى في المقابل أسلوب رسوم العدادات الذكية في إدارة المواقف.
No comments:
Post a Comment